بسم الله الرحمن الرحيم
لقد عاش العرب حياة مضطربة متناقضة وهذا الاضطراب والتناقد كان مبينا على تناقض أعمالهم حيث كانت تتجلى فيهم بعض الخصال الحميدة مثل الجود والكرم، الإيثار، الشجاعة، وهذه كانت نتيجة دين خليل الله سيدنا إبراهيم عليه السلام وكانت تتغلب عليهم الخصال والعادات القبيحة كأكل المحرمات، ارتكاب الفواحش، عبادة الأصنام، أكل الميتة وطغيان القوي على الضعيف وأكثرها حروب القبائل فيما بينها. وكانت العرب لا تعطي للمرأة حقوقا مثل حق الميراث واختيار الزوج وأكثرما كانت تتعرض لهن هو وأدهن وبيعهن.
مولد النبي صلى الله عليه وسلم:
وفي ظل هذه الحياة المضطربة ولد محمد صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين 12 ربيع الأول571م أي عام الفيل نشأ يتيما حيث مات أبوه وهو في بطن أمه مدة شهرين من الحمل أو الوضع وخرج صلى الله عليه وسلم من بطنها وله 6سنوات حيث كانت عائدة من المدينة المنورة. سماه جده بمحمد حيث لم يسم أحد بهذا الاسم من قبل. كان اليهود ينتظرونه أن يخرج من بينهم حسب بشارة سيدنا عيسى عليه السلام ، كان جده يأخذه إلى مجالس الكبار والشيوخ فيقعده جنبه على عبادته وكان يلاحظ أنه لا يلعب أبدا بل يستمع إلى كلامهم فقال إن هذا الصبي له شأن عظيم.
نسبه: هو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر حتى ينتهي نسبه إلى سيدنا إسماعيل عليه السلام، وأمه آمنة ابنة وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب الجد الخامس لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
وله أسماء كثيرة منها ما ذكر في قوله صلى الله عليه وسلم:« أنا محمد وأنا أحمد وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي وأنا الماحي الذي يمحو به الكفر وأنا العاقب»
وقوله أيضا « أنا محمد وأنا أحمد وأنا بني الرحمة وأنا بني التوبة والحاشر ».
تعدد الزوجات:
السيف والمرأةلكلام عن تعدد زوجات النبي وهو الهدف الثاني الذي يرميه المشهورون بالإسلام فيكثرون من رميه كلما تكلموا عن أخلاق محمد عليه الصلاة والسلام وذكروا منها ما يتزعموه منافيا لشمائل النبوة مخالفا لما ينبغي أن يتصف به هداة الأرواح …السيف والمرأة ….
المرأة الفتنة فيها أضعف السيف على ما نراه لأن الاستسلام للشهوة آخر شيء يخطر على بال الرجل المحقق مسلم كان أو غير مسلم حين يبحث في تعدد زوجات النبي صلى الله عليه وسلم وفيما يدل ذلك التعدد وفيما اقتضاه
قال بعض المستشرقين إن تسع زوجات لدليل على فرط ميول الجنسية
رد عليه أحد المسلمين: إنك لا تصف المسيح عليه السلام بأنه قاصر الجنسية undersexed لأنه لم يتزوج قط فلا ينبغي أأن تصف محمدا بأنه مفرط الجنسية oversexed لأنه جمع بين تسع نساء.
ونحن قبل كل شيء لا نرى ضيرا على الرجل العظيم أن يحب المرأة ويشعر بمتعتها هذا سواء الفطرة لا عيب فيه وما من فطرة هي أأعمق في طبائع الأحياء عامة من قطرة الجنسين والتقاء الذكر والأنثى فهي الغريزة التي تلهم الحي في كل طبقة من طبقات الحياة ما تلهمه غريزة أخرى أرأيت إلى السمك وهو يعبر الماء الملح في موسمه المعلوم فيطوي ألوفا من الفراسخ ليصل إلى فرجة نهر عذب يجدد فيها نسله ثم يعود أدراجه ؟.. أرأيت على العصفور وهو يبني عشه ويعود من هجرته إلى وطنه؟ أرأيت إلى الزهر وهو يتفتح ليغري الطير و النحل لينقل لقاحه؟ أرأيت إلى سنة الحياة في كل طبقة من طبقات الأحياء ؟ ما هي سنتها إن لم تكن هي سنة الألفة بين الجنسين ؟ وأين يكون سواه إن لم يكن على هذا السواء ؟ فحب المرأة لا محابة فيه هذا هو سواء الفطرة لا مراد وإنما المحابة أن يطغى هذا الحب حتى يخرج عن سوائه وحتى يشغل المرء عن غرضه وحتى يكلفه شططا في طلابه فهو عند ذلك مسخ للفطرة المستقيمة يصاب كما يصاب الجور في جميع الطباع .
فمن الذي يعلم ما صنع النبي صلى الله عليه وسلم في حياته ثم يقع في روعه أن المرأة شغلته عن عمل كبير أو عن عمل صغير؟ ومن يقول إن هذا العمل عمل رجل مشغول؟
مَنْ ِمنَ بناة التاريخ قد بنى في حياته وبعد مماته تاريخا أعظم من تاريخ الدعوة المحمدية والدول الإسلامية ومن ذا تفرع لعظيم من المسعى فبلغ فيه شأن محمد صلى الله عليه وسلم في مسماه؟
فإن كانت عظمة الرجل قد أتاحت له أن يعطي للدعوة حقها فالعظمة رجحان وليست بنقص وهذا الاستيفاء السليم كمال وليس بعيب ورسالة محمد إذن هي الرسالة التي يتلقاها أناس خلقوا للحياة ولم يخلقوا نابذين لها ولا منبوذين منها فليست الشريعة هؤلاء بالشريعة المطلوبة فيها يخاطب به عامة الناس في عامة العصور .
وأعجب شيء أن يقال عن النبي صلى الله عليه وسلم إنه استسلم لذات الحس وقد أوشك أن يطلق نسائه أو يخيرهن في الطلاق لأنهن طلبن إليه المزيد من النفقة وهو لا يستطيعها …
فقد شكون على فخرهن بالانتماء اليه أنهن لا يجدن نصيبهن من النفقة و الزينة واجتمعت كلمتهن على الشكوى واشتددن فيها حتى وجم النبي بتسريحهن أو تخييرهن على الصبر أو التسريح
وذهب إليه أبو بكر فدخل عليه وتبعه عمر فوجد النبي جالسا وحوله نساؤه واجما ساكتا،فأراد أن يقول شيئا يسري عنه فقال : يا رسول الله لو رأيت بنت خارجة سألتني نفقة فقمت إليها فوجأت عنقها فضحك رسول الله وقال هو حولي كما ترى يسألني النفقة .. فقام أبو بكر إلى عائشة يجأ عنقها وقام عمر إلى حفصة ويقولان تسألن رسول الله ما ليس عنده ؟
فقلن والله لا نسأل رسول الله شيئا ليس عنده .ثم اعتزلهن النبي صلى الله عليه وسلم شهرا وتسعة عشرين يوما فنزلت بعدها الآية( يأيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحية الدنيا وزينتها فتعالين أمتعتكن وأسرحكن سرحا جميلا وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجرا عظيما )
فبدأ النبي صلى الله عليه وسلم بعائشة فتلي عليه الآية مع طلبه باستشارة والديها فأجابت بالله ورسوله وكلهن أجبن بالإجابة نفسها.
وطلب نساء النبي النفقة ولو شاء لأغرقهن بالذهب و الحرير رحمة وخوفا من تكرار هذا لنساء الفقراء.أهذ لرجل يستسلم لذات حسه؟
أسباب تعدد الزوجات:
ولو كانت ذات الحس هي التي سيطرت على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد وفاة خديجة الأجحى بإرضاء هذه الملذات أن يجمع النبي عليه تسعا من الفتيات الأبكار اللائي اشتهرت بفتنة الجمال في مكة والمدينة المنورة والجزيرة العربية فيسرعن إليه راضيات فخورات وأولياء أمورهن أرضى منهن وأفخر بهذه المصاهرة التي لا تعلوها مصاهرة لكنه لم يتزوج بكرا قط غير سيدتنا عائشة رضي الله عنها ولم يكن زواجه بها مقصودا في بداية الأمر، وهذا لأجل عدم تهرب الرجال من تزوج الثيب.
وكان زواجه من عائشة إلحاحا من خولة بنت الحكيم بعد وفاة أمنا خديجة رضي الله عنها .
قالت سيدتنا عائشة (ض): لمّا توفيت خديجة قالت خولة بنت الحكيم للنبي صلى الله عليه وسلم ألا تتزوج يا رسول الله ..
قال من ؟
قالت :إن شئت بكرا وإن شئت ثيبا؟
قال: فمن البكر؟
قالت: بنت أحب الناس إليك ، عائشة بنت أبي بكر، قال فمن الثيب ؟ قالت بنت زمعة آمنت بك واتبعتك؟
وكانت سودة أي أم حبيبة بنت أبي سفيان كانت مع مهاجرين إلى الحبشة فمات زوجها الذي كان ابن عمها وكانت أسبق النساء إلى الإسلام ومن عبقريته صلى الله عليه وسلم أنه تزوجها لكي ينسيها حزن زوجها و ثانيا تبيانه على عدم تركه لإخوانه في الحبشة. وكانت للنبي زوجة أخرى وسمت بالوضاءة وهي زينب بنت جحش ابنةوتعلمهم. كان زوجها زيد بن الحارثة بأمره وبغير رضي منها لأنها أنفت وهي ما هي في الحسب والقرابة للرسول صلى الله عليه وسلم أن يتزوجها غلام عتيق هذه أيضا لم تكن لذات الحس المزعومة في بناء النبي بها بعد طلاقها من زيد وتعذر التوفيق بينهما ولكانت مثل ما زعم على النبي صلى الله عليه وسلم لتزوجها هو ولم يبنها بزيد فإن كان كذلك فلما شدد على قبولها بزيد لولا أن زيدا كان يشتكي بإعراضها عنه وإغلاظها القول فلم يجد النبي حلا للمشكلة إلا الطلاق بينهما وكان زواجه بها لإخبار الناس أن زيدا ليس ابنه كما كانوا يضنون وذلك لكي لا يتخذونه نبيا بعده بقوله« لا نبي بعدي ».أما سائر زوجاته صلى الله عليه وسلم إلا بمصلحة تنفع الناس وتعلمهم .
فأم سلمة كانت عجوزا عندما خطبها كما قالت له متعذرة إليه لإعفافه من تكليف نفسه أن يتزوجها جبرا لخاطرها بعد موت زوجها عبد الله المخزومي من جرح أصابه في غزوة أحد ولما برح بها الحزن لوفاته وأساها الرسول قائلا: ( سلي الله أن يؤجرك في مصيبتك وأن يخلف خيرا فقالت: ومن يكون خيرا من أبي سلمة؟ فأوجب نفسه خطبتها لأنها تعلم أنه خير من أبي سلمة ولأن أبا بكر وعمر خطباها فترفقت بالاعتذار لهما وهما أعظم المسلمين قدرا بعد النبي عليه السلام وجويرة بنت الحارث كانت إحدى صبا غزوة بني المصطلق.وحفصة بنت عمر بن الخطاب التي عرضها على ابي بكر وعثمان وعلي رضي الله عنهم فسكتوا فتأسف عمر عليها فعطف ذلك على النبي فأراد مصاهرته مثل أبي بكر.وسيدة صافية ابنة أبي بن خلف رأس اليهود التي كانت إحدى الأسرى في غزوة خيبر عندما حكت له عن الرؤيا التي رأتها وكان سبب الزواج بها هو إيجاد قرابة مع اليهود ولو كانوا أعدائه والسيدة ماريا هدية هرقل إلى الرسول صلى الله عليه وسلم.
إلى الرفيق الأعلى
شعر رسول الله صلى الله عليه و سلم بوعكة المرض الذى نزل به في أواخر شهر صفر من السنة الحادية عشر للهجرة أو فى أول شهر ربيع الأول وكان مبدأ ذلك أنه صلى الله عليه و سلم خرج إلي بقيع الغرقد من جوف الليل فاستغفر لهم ثم رجع إلى أهله فلما أصبح ابتدئ بوجعه من يومه ذلك
قالت عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها رجع رسول الله صلى الله عليه و سلم من البقيع فوجدني وأنا أجد صداعاً في رأسي وأنا أقول وآرأساه فقال بل أنا والله يا عائشة وآرأساه ولما ثقل عليه الوجع وهو فى بيت زوجه ميمونة رضي الله عنها دعا نساءه فاستأذنهن في أن يمرض في بيت عائشة فأذن له فخرج من عند ميمونة بين الفضل ابن العباس ولعلي بن أبى طالب عاصبا رأسه تخط قدماه على الأرض حتى دخل بيت عائشة رضي الله عنها
واشتد المرض برسول الله صلى الله عليه و سلم فقال "هريقوا علي سبع قرب من آبار شتى حتى أخرج إلي الناس فأعهد إليهم, قالت عائشة فأقعدناه فى مخضب (إناء يغتسل فيه) لحفصة بنت عمر ثم صببنا عليه الماء حتى طفق يقول : حسبكم حسبكم وعندما أحس رسول الله صلى الله عليه و سلم أن الآلام قد خفت قليلاً خرج عاصباً رأسه إلى المسجد حتى جلس علي المنبر ثم كان أول ما تكلم به أنه صلى على أصحاب أحد واستغفر لهم فأكثر الصلاة عليهم ثم قال إن عبداً من عباد الله خيره الله بين الدنيا وبين ما عنده فاختار ما عند الله فبكى أبو بكر رضي الله عنه وقال : بل نحن نفديك بأنفسنا وأبنائنا يا رسول الله فتعجب الناس من بكاء أبى بكر وكلامه ولم يعرفوا مغزاه إلا بعد ذلك
ثم أثنى الرسول علي أبى بكر فقال : إنى لا أعلم أحداً كان أفضل فى الصحبة عندى يداً منه ولو كنت متخذاً خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً ولكن صحبة وإخاء وإيمان حتى يجمع الله بيننا عنده
ثم قال عليه الصلاة والسلام يعلم أصحابه ويقدم لهم النصائح الغالية ويرسم لهم معالم الطريق وأسباب النجاة التي ينبغى أن يتمسكوا بها : أما بعد أيها الناس. فمن كنت جلدت له ظهراً فهذا ظهري فليستقد منه ومن كنت شتمت له عرضاً فهذا عرضي فليستقد منه.ألا وإن الشحناء ليست من طبعي ولا من شأني ـ ألا وإن أحبكم إلا من أخذ مني حقاً إن كان له أو أحلني منه فلقيت الله وأنا طيب النفس وقد أرى أن هذا غير مغن عني حتى أقوم فيكم مراراً
ثم نزل فصلى الظهر ثم رجع فجلس على المنبر فعاد لمقالته الأولى في الشحناء وغيرها فقام رجل فقال يا رسول الله: إن لى عندك ثلاثة دراهم
فقال : أعطه يا فضل بن العباس
ثم قال النبي: أيها الناس من كان عنده شئ فليؤده ولا يقل : فضوح الدنيا ألا وأن فضوح الدنيا أيسر من فضوح الآخرة
فقام رجل فقال: يا رسول الله عندى ثلاثة دراهم غللتها في سبيل الله
قال : ولم غللتها؟
قال : كنت إليها محتاجا
قال : خذها منه يا فضل
ثم قال: أيها الناس من خشى من نفسه شيئا فليقم أدع له
فقام رجل فقال: يا رسول الله إنى لكذاب, إني لفاحش, إني لنؤوم
فقال النبي: اللهم ارزقه صدقا وإيمانا وأذهب عنه النوم إذا أراد
ثم قال رجل فقال : والله يا رسول الله إني لكذاب وإني لمنافق وما من شئ إلا قد جنيته
فقام عمر بن الخطاب فقال له فضحت نفسك أيها الرجل فقال النبي صلى الله عليه و سلم : يابن الخطاب فضوح الدنيا أهون من فضوح الآخرة : اللهم ارزقه صدقا وإيمانا وصير أمره إلى خير
ثم أوصى بالأنصار خيرا فقال كما ذكر عبد الله بن كعب بن مالك : "يا معشر المهاجرين استوصوا بالأنصار خيراً فإن الناس يزيدون وإن الأنصار علي هيئتها لا تزيد وأنهم كانوا عيبتي (مكمن سره) التي أويت إليها فأحسنوا إلى محسنهم وتجاوزوا عن مسيئهم ثم نزل رسول الله صلى الله عليه و سلم من على المنبر ودخل بيت عائشة
وفي يوم من أيام مرضه أوصى المسلمين أن يجيزوا وفد أسامة بن زيد وألا يتركوا فى جزيرة العرب دينين وقال "أخرجوا منها المشركين" وزادت وطأة المرض علي رسول الله حتى لقد تأذت فاطمة ابنته من شدة ما يلقى فقالت : واكرب أبتاه
فقال : ليس علي أبيك كرب بعد اليوم
وأغمي عليه مرة فلده أهله فلما أفاق كره ذلك منهم وكان إلى جواره قدح فيه ماء يغمس فيه يده ثم يمسح وجهه بالماء ويقول:اللهم أعنى على سكرة الموت
أبو بكر يصلى بالناس
قالت عائشة : لما استuز برسول الله صلى الله عليه و سلم قال مروا أبا بكر فليصل بالناس
فقالت عائشة : يا نبي الله إن أبا بكر رجل رقيق ضعيف الصوت كثير البكاء إذا قرأ القرآن
فقال : مروه فليصل بالناس
قالت : فعدت بمثل قولى
فقال الرسول : إنكن صواحب يوسف فمروه فليصل بالناس
قالت : فوالله ما أقول ذلك إلا أنى كنت أحب أن يصرف ذلك عن أبى بكر وعرفت أن الناس لا يحبون رجلا قام مقامه أبدا، وأن الناس سيتشاءمون به فى كل حدث كان فكنت احب أن يصرف ذلك عن أبى بكر
وصلى أبو بكر بالناس سبع عشرة صلاة كما ذكر الوافدي ، وذكر عكرمة انه صلى بهم ثلاثة أيام وهذه الأيام التي تخلف فيها النبي عن إمامة الصلاة كانت من أشد الأيام ثقلاً عليه
اليوم الذى قبض فيه الرسول
وظل أبو بكر يصلى بالمسلمين حتى إذا كان يوم الاثنين الذى قبض الله فيه رسوله خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم عاصباً رأسه وهم يصلون الصبح فلما رآه المسلمون أفسحوا له مكانا فعرف أبو بكر أن الناس لم يصنعوا ذلك إلا لرسول الله صلى الله عليه و سلم فنكص عن مصلاه فدفع رسول الله ظهره وقال: صل بالناس وجلس رسول الله إلى جنبه فصلى قاعدا عن يمين أبى بكر فلما فرغ من الصلاة أقبل على الناس فكلمهم رافعاً صوته حتى خرج صوته من باب المسجد يقول
أيها الناس ، سعرت النار ، وأقبلت الفتن كقطع الليل المظلم، وإنى والله ما تمسكون علي بشئ، إنى لم أحل إلا ما أحل القرآن ، ولم أحرم إلا ما حرم القرآن فلما فرغ رسول الله من كلامه
قال له أبو بكر : يا نبي الله إنى أراك قد أصبحت بنعمة من الله وفضل كما تحب ، واليوم يوم بنت خارجة أفآتها ؟
قال : نعم
ثم دخل رسول الله صلى الله عليه و سلم وخرج أبو بكر إلي أهله بالسخ (من ضواحى المدينة) وانصرف الناس وهم يظنون أن رسول الله قد أفاق من وجعه
وهكذا ظل الرسول صلى الله عليه و سلم حتى اللحظة الأخيرة من حياته حريصا علي نصح أمته معلم القلب بشئونها موضحا لها طريق الاسلام ومعالمه محذرا لها من كل إنحراف أو ضلال
قالت عائشة رضى الله عنها : وعاد رسول الله من المسجد فاضطجع في حجرى ودخل علي رجل من آل أبي بكر وفى يده سواك أخضر فنظر رسول الله إليه فى يده نظرا عرفت أنه يريده..فأخذته منه فمضخته حتى لينته ثم أعطيته إياه، فاستن به كأشد ما رأيته يستن قط ثم وضعه، ووجدت رسول الله صلى الله عليه و سلم يثقل في حجرى فذهبت أنظر إلى وجهه فإذا بصره قد شخص وهو يقول : بل الرفيق الأعلى من الجنة فقلت : خيرت فاخترت والذى بعثك بالحق
وقبض رسول الله صلى الله عليه و سلم في يوم الاثنين الثانى عشر من ربيع الأول سنة إحدى عشر للهجرة على أرجح الأقوال
وهكذا فارق الرسول العظيم دنياه ولحق بمولاه بعد أن بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، وجاهد فى الله حق جهاده، وخلق من الشعب العربي شعباً جديداً كان له أعظم الأثر فى تغير وجه التاريخ الإنسانى
وقد نزلت وفاة رسول الله صلى الله عليه و سلم على الصحابة كالصاعقة، فأصيبوا بذهول شديد هز كيانهم وحجب عنهم إدراك هذه الحقيقة القاسية. حقيقة أن الحياة مهما طالت لابد لها من نهاية وأن العمر مهما امتد فلابد من الموت وأن بني البشر مع هذه الحقيقة سواء قال تعالى لرسوله : {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ}سورة الزمر - آية 30 ولنا أن نتصور مبلغ الأسى واللوعة التى شملت المسلمين في هذا اليوم الحزين حتى أنهم لا يدرون ماذا يفعلون، ومن ذلك ما صنعه عمر بن الخطاب رضى الله عنه فى هذا اليوم وهو المعروف بقوته وشجاعته وثباته
فقد أنكر على من قال : مات رسول الله وخرج إلى المسجد وخطب الناس وقال "إن رجالاً من المنافقين يزعمون أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قد توفى وإن رسول الله ما مات ولكنه ذهب إلى ربه كما ذهب موسى بن عمران فقد غاب عن قومه أربعين ليلة ثم رجع إليهم بعد أن قيل قد مات ووالله ليرجعن رسول الله كما رجع موسى فليقطعن أيدى رجال وأرجلهم زعموا أن رسول الله صلى الله عليه و سلم مات
وكان أبو بكر الصديق رضي الله عنه رجل الساعة حقا فقد أقبل من منزله حين بلغه الخبر حتى نزل على باب المسجد وعمر يكلم الناس فلم يلتفت إلى شئ حتى دخل على رسول الله في بيت عائشة وهو مسجى (مغطى ببرد) فكشف عن وجهه الكريم فقبله ثم قال : بأبى أنت وأمى أما الموته التى كتب الله عليك فقد ذقتها ثم لن يصيبك بعدها موت أبداً ورد البرد علي وجهه صلى الله عليه و سلم ثم خرج وعمر ما زال يكلم الناس فقال : على رسلك يا عمر فأنصت لكن عمر ظل مهتاجا مندفعا في كلامه فلما رآه أبو بكر لا ينصت أقبل على الناس فلما سمع الناس كلامه أقبلوا عليه وتركوا عمر، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس من كان يعبد محمداً فإن محمد قد مات ومن كان يعبد الله فان الله حي لا يموت ثم تلا هذه الآية : {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ}سورة ال العمران - آية 144
يقول من شهد هذا الموقف: والله لكأن الناس لم يعلموا أن هذه الآية نزلت حتى تلاها أبو بكر يومئذ وأخذها الناس عن أبى بكر فإنما هى في أفواههم ويقول عمر عن نفسه حينئذ : والله ما هو إلا أن سمعت أبا بكر تلاها فعقرت (تحيرت ودهشت) حتى وقعت إلى الأرض وما تحملني رجلاي وعرفت أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قد مات
وهكذا عاد المسلمون إلى رشدهم وسلوا بقضاء الله الذى لا مرد له، واستطاع الرجال الكبار الذين رباهم الرسول صلى الله عليه و سلم ليتحملوا الأمانة من بعده أن يواجهوا الموقف بثبات وحكمة فبايعوا أبا بكر الصديق رضى الله عنه بالخلافة، وأقاموا بتجهيز رسول الله صلى الله عليه و سلم ودفنه واختلفوا في موضع دفنه أيدفن في مسجده ؟ أم في بيته ؟ فقال لهم أبو بكر الصديق إنى سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول :ما قبض نبي إلا دفن حيث قبض فرفع فراشه الذي قبض عليه وحفر تحته ودخل الناس أفواجا للصلاة عليه الرجال ثم النساء ثم الصبيان لا يؤم أحد أحداً
وبذلك بدأت حقبة جديدة في تاريخ الدولة الإسلامية هي ما نسميها بعصر "الخلفاء الراشدين" وقد استطاع هؤلاء الخلفاء الراشدون أن يحملوا الأمانة بعد نبيهم وأن يواصلوا الجهاد ضد أعداء الإسلام وأن يفتحوا أرض الله الواسعة لينشروا بين جنباتها كلمة التوحيد والهداية ولسوف يبقى دين الإسلام بمشيئة الله تعالي ما بقيت السموات والأرض ولسوف تستمر تعاليم رسول الله صلى الله عليه و سلم التى قضى حياته فى سبيل نشرها و الدعوة إليها إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها نسأل الله تبارك وتعالى أن ينفعنا بنبينا وأن يجعله شفيعاً لنا يوم لا ينفع مال و لا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم وصلى الله على سيدنا محمد كلما ذكره الذاكرون وغفل عنه الغافلون
لقد عاش العرب حياة مضطربة متناقضة وهذا الاضطراب والتناقد كان مبينا على تناقض أعمالهم حيث كانت تتجلى فيهم بعض الخصال الحميدة مثل الجود والكرم، الإيثار، الشجاعة، وهذه كانت نتيجة دين خليل الله سيدنا إبراهيم عليه السلام وكانت تتغلب عليهم الخصال والعادات القبيحة كأكل المحرمات، ارتكاب الفواحش، عبادة الأصنام، أكل الميتة وطغيان القوي على الضعيف وأكثرها حروب القبائل فيما بينها. وكانت العرب لا تعطي للمرأة حقوقا مثل حق الميراث واختيار الزوج وأكثرما كانت تتعرض لهن هو وأدهن وبيعهن.
مولد النبي صلى الله عليه وسلم:
وفي ظل هذه الحياة المضطربة ولد محمد صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين 12 ربيع الأول571م أي عام الفيل نشأ يتيما حيث مات أبوه وهو في بطن أمه مدة شهرين من الحمل أو الوضع وخرج صلى الله عليه وسلم من بطنها وله 6سنوات حيث كانت عائدة من المدينة المنورة. سماه جده بمحمد حيث لم يسم أحد بهذا الاسم من قبل. كان اليهود ينتظرونه أن يخرج من بينهم حسب بشارة سيدنا عيسى عليه السلام ، كان جده يأخذه إلى مجالس الكبار والشيوخ فيقعده جنبه على عبادته وكان يلاحظ أنه لا يلعب أبدا بل يستمع إلى كلامهم فقال إن هذا الصبي له شأن عظيم.
نسبه: هو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر حتى ينتهي نسبه إلى سيدنا إسماعيل عليه السلام، وأمه آمنة ابنة وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب الجد الخامس لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
وله أسماء كثيرة منها ما ذكر في قوله صلى الله عليه وسلم:« أنا محمد وأنا أحمد وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي وأنا الماحي الذي يمحو به الكفر وأنا العاقب»
وقوله أيضا « أنا محمد وأنا أحمد وأنا بني الرحمة وأنا بني التوبة والحاشر ».
تعدد الزوجات:
السيف والمرأةلكلام عن تعدد زوجات النبي وهو الهدف الثاني الذي يرميه المشهورون بالإسلام فيكثرون من رميه كلما تكلموا عن أخلاق محمد عليه الصلاة والسلام وذكروا منها ما يتزعموه منافيا لشمائل النبوة مخالفا لما ينبغي أن يتصف به هداة الأرواح …السيف والمرأة ….
المرأة الفتنة فيها أضعف السيف على ما نراه لأن الاستسلام للشهوة آخر شيء يخطر على بال الرجل المحقق مسلم كان أو غير مسلم حين يبحث في تعدد زوجات النبي صلى الله عليه وسلم وفيما يدل ذلك التعدد وفيما اقتضاه
قال بعض المستشرقين إن تسع زوجات لدليل على فرط ميول الجنسية
رد عليه أحد المسلمين: إنك لا تصف المسيح عليه السلام بأنه قاصر الجنسية undersexed لأنه لم يتزوج قط فلا ينبغي أأن تصف محمدا بأنه مفرط الجنسية oversexed لأنه جمع بين تسع نساء.
ونحن قبل كل شيء لا نرى ضيرا على الرجل العظيم أن يحب المرأة ويشعر بمتعتها هذا سواء الفطرة لا عيب فيه وما من فطرة هي أأعمق في طبائع الأحياء عامة من قطرة الجنسين والتقاء الذكر والأنثى فهي الغريزة التي تلهم الحي في كل طبقة من طبقات الحياة ما تلهمه غريزة أخرى أرأيت إلى السمك وهو يعبر الماء الملح في موسمه المعلوم فيطوي ألوفا من الفراسخ ليصل إلى فرجة نهر عذب يجدد فيها نسله ثم يعود أدراجه ؟.. أرأيت على العصفور وهو يبني عشه ويعود من هجرته إلى وطنه؟ أرأيت إلى الزهر وهو يتفتح ليغري الطير و النحل لينقل لقاحه؟ أرأيت إلى سنة الحياة في كل طبقة من طبقات الأحياء ؟ ما هي سنتها إن لم تكن هي سنة الألفة بين الجنسين ؟ وأين يكون سواه إن لم يكن على هذا السواء ؟ فحب المرأة لا محابة فيه هذا هو سواء الفطرة لا مراد وإنما المحابة أن يطغى هذا الحب حتى يخرج عن سوائه وحتى يشغل المرء عن غرضه وحتى يكلفه شططا في طلابه فهو عند ذلك مسخ للفطرة المستقيمة يصاب كما يصاب الجور في جميع الطباع .
فمن الذي يعلم ما صنع النبي صلى الله عليه وسلم في حياته ثم يقع في روعه أن المرأة شغلته عن عمل كبير أو عن عمل صغير؟ ومن يقول إن هذا العمل عمل رجل مشغول؟
مَنْ ِمنَ بناة التاريخ قد بنى في حياته وبعد مماته تاريخا أعظم من تاريخ الدعوة المحمدية والدول الإسلامية ومن ذا تفرع لعظيم من المسعى فبلغ فيه شأن محمد صلى الله عليه وسلم في مسماه؟
فإن كانت عظمة الرجل قد أتاحت له أن يعطي للدعوة حقها فالعظمة رجحان وليست بنقص وهذا الاستيفاء السليم كمال وليس بعيب ورسالة محمد إذن هي الرسالة التي يتلقاها أناس خلقوا للحياة ولم يخلقوا نابذين لها ولا منبوذين منها فليست الشريعة هؤلاء بالشريعة المطلوبة فيها يخاطب به عامة الناس في عامة العصور .
وأعجب شيء أن يقال عن النبي صلى الله عليه وسلم إنه استسلم لذات الحس وقد أوشك أن يطلق نسائه أو يخيرهن في الطلاق لأنهن طلبن إليه المزيد من النفقة وهو لا يستطيعها …
فقد شكون على فخرهن بالانتماء اليه أنهن لا يجدن نصيبهن من النفقة و الزينة واجتمعت كلمتهن على الشكوى واشتددن فيها حتى وجم النبي بتسريحهن أو تخييرهن على الصبر أو التسريح
وذهب إليه أبو بكر فدخل عليه وتبعه عمر فوجد النبي جالسا وحوله نساؤه واجما ساكتا،فأراد أن يقول شيئا يسري عنه فقال : يا رسول الله لو رأيت بنت خارجة سألتني نفقة فقمت إليها فوجأت عنقها فضحك رسول الله وقال هو حولي كما ترى يسألني النفقة .. فقام أبو بكر إلى عائشة يجأ عنقها وقام عمر إلى حفصة ويقولان تسألن رسول الله ما ليس عنده ؟
فقلن والله لا نسأل رسول الله شيئا ليس عنده .ثم اعتزلهن النبي صلى الله عليه وسلم شهرا وتسعة عشرين يوما فنزلت بعدها الآية( يأيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحية الدنيا وزينتها فتعالين أمتعتكن وأسرحكن سرحا جميلا وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجرا عظيما )
فبدأ النبي صلى الله عليه وسلم بعائشة فتلي عليه الآية مع طلبه باستشارة والديها فأجابت بالله ورسوله وكلهن أجبن بالإجابة نفسها.
وطلب نساء النبي النفقة ولو شاء لأغرقهن بالذهب و الحرير رحمة وخوفا من تكرار هذا لنساء الفقراء.أهذ لرجل يستسلم لذات حسه؟
أسباب تعدد الزوجات:
ولو كانت ذات الحس هي التي سيطرت على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد وفاة خديجة الأجحى بإرضاء هذه الملذات أن يجمع النبي عليه تسعا من الفتيات الأبكار اللائي اشتهرت بفتنة الجمال في مكة والمدينة المنورة والجزيرة العربية فيسرعن إليه راضيات فخورات وأولياء أمورهن أرضى منهن وأفخر بهذه المصاهرة التي لا تعلوها مصاهرة لكنه لم يتزوج بكرا قط غير سيدتنا عائشة رضي الله عنها ولم يكن زواجه بها مقصودا في بداية الأمر، وهذا لأجل عدم تهرب الرجال من تزوج الثيب.
وكان زواجه من عائشة إلحاحا من خولة بنت الحكيم بعد وفاة أمنا خديجة رضي الله عنها .
قالت سيدتنا عائشة (ض): لمّا توفيت خديجة قالت خولة بنت الحكيم للنبي صلى الله عليه وسلم ألا تتزوج يا رسول الله ..
قال من ؟
قالت :إن شئت بكرا وإن شئت ثيبا؟
قال: فمن البكر؟
قالت: بنت أحب الناس إليك ، عائشة بنت أبي بكر، قال فمن الثيب ؟ قالت بنت زمعة آمنت بك واتبعتك؟
وكانت سودة أي أم حبيبة بنت أبي سفيان كانت مع مهاجرين إلى الحبشة فمات زوجها الذي كان ابن عمها وكانت أسبق النساء إلى الإسلام ومن عبقريته صلى الله عليه وسلم أنه تزوجها لكي ينسيها حزن زوجها و ثانيا تبيانه على عدم تركه لإخوانه في الحبشة. وكانت للنبي زوجة أخرى وسمت بالوضاءة وهي زينب بنت جحش ابنةوتعلمهم. كان زوجها زيد بن الحارثة بأمره وبغير رضي منها لأنها أنفت وهي ما هي في الحسب والقرابة للرسول صلى الله عليه وسلم أن يتزوجها غلام عتيق هذه أيضا لم تكن لذات الحس المزعومة في بناء النبي بها بعد طلاقها من زيد وتعذر التوفيق بينهما ولكانت مثل ما زعم على النبي صلى الله عليه وسلم لتزوجها هو ولم يبنها بزيد فإن كان كذلك فلما شدد على قبولها بزيد لولا أن زيدا كان يشتكي بإعراضها عنه وإغلاظها القول فلم يجد النبي حلا للمشكلة إلا الطلاق بينهما وكان زواجه بها لإخبار الناس أن زيدا ليس ابنه كما كانوا يضنون وذلك لكي لا يتخذونه نبيا بعده بقوله« لا نبي بعدي ».أما سائر زوجاته صلى الله عليه وسلم إلا بمصلحة تنفع الناس وتعلمهم .
فأم سلمة كانت عجوزا عندما خطبها كما قالت له متعذرة إليه لإعفافه من تكليف نفسه أن يتزوجها جبرا لخاطرها بعد موت زوجها عبد الله المخزومي من جرح أصابه في غزوة أحد ولما برح بها الحزن لوفاته وأساها الرسول قائلا: ( سلي الله أن يؤجرك في مصيبتك وأن يخلف خيرا فقالت: ومن يكون خيرا من أبي سلمة؟ فأوجب نفسه خطبتها لأنها تعلم أنه خير من أبي سلمة ولأن أبا بكر وعمر خطباها فترفقت بالاعتذار لهما وهما أعظم المسلمين قدرا بعد النبي عليه السلام وجويرة بنت الحارث كانت إحدى صبا غزوة بني المصطلق.وحفصة بنت عمر بن الخطاب التي عرضها على ابي بكر وعثمان وعلي رضي الله عنهم فسكتوا فتأسف عمر عليها فعطف ذلك على النبي فأراد مصاهرته مثل أبي بكر.وسيدة صافية ابنة أبي بن خلف رأس اليهود التي كانت إحدى الأسرى في غزوة خيبر عندما حكت له عن الرؤيا التي رأتها وكان سبب الزواج بها هو إيجاد قرابة مع اليهود ولو كانوا أعدائه والسيدة ماريا هدية هرقل إلى الرسول صلى الله عليه وسلم.
إلى الرفيق الأعلى
شعر رسول الله صلى الله عليه و سلم بوعكة المرض الذى نزل به في أواخر شهر صفر من السنة الحادية عشر للهجرة أو فى أول شهر ربيع الأول وكان مبدأ ذلك أنه صلى الله عليه و سلم خرج إلي بقيع الغرقد من جوف الليل فاستغفر لهم ثم رجع إلى أهله فلما أصبح ابتدئ بوجعه من يومه ذلك
قالت عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها رجع رسول الله صلى الله عليه و سلم من البقيع فوجدني وأنا أجد صداعاً في رأسي وأنا أقول وآرأساه فقال بل أنا والله يا عائشة وآرأساه ولما ثقل عليه الوجع وهو فى بيت زوجه ميمونة رضي الله عنها دعا نساءه فاستأذنهن في أن يمرض في بيت عائشة فأذن له فخرج من عند ميمونة بين الفضل ابن العباس ولعلي بن أبى طالب عاصبا رأسه تخط قدماه على الأرض حتى دخل بيت عائشة رضي الله عنها
واشتد المرض برسول الله صلى الله عليه و سلم فقال "هريقوا علي سبع قرب من آبار شتى حتى أخرج إلي الناس فأعهد إليهم, قالت عائشة فأقعدناه فى مخضب (إناء يغتسل فيه) لحفصة بنت عمر ثم صببنا عليه الماء حتى طفق يقول : حسبكم حسبكم وعندما أحس رسول الله صلى الله عليه و سلم أن الآلام قد خفت قليلاً خرج عاصباً رأسه إلى المسجد حتى جلس علي المنبر ثم كان أول ما تكلم به أنه صلى على أصحاب أحد واستغفر لهم فأكثر الصلاة عليهم ثم قال إن عبداً من عباد الله خيره الله بين الدنيا وبين ما عنده فاختار ما عند الله فبكى أبو بكر رضي الله عنه وقال : بل نحن نفديك بأنفسنا وأبنائنا يا رسول الله فتعجب الناس من بكاء أبى بكر وكلامه ولم يعرفوا مغزاه إلا بعد ذلك
ثم أثنى الرسول علي أبى بكر فقال : إنى لا أعلم أحداً كان أفضل فى الصحبة عندى يداً منه ولو كنت متخذاً خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً ولكن صحبة وإخاء وإيمان حتى يجمع الله بيننا عنده
ثم قال عليه الصلاة والسلام يعلم أصحابه ويقدم لهم النصائح الغالية ويرسم لهم معالم الطريق وأسباب النجاة التي ينبغى أن يتمسكوا بها : أما بعد أيها الناس. فمن كنت جلدت له ظهراً فهذا ظهري فليستقد منه ومن كنت شتمت له عرضاً فهذا عرضي فليستقد منه.ألا وإن الشحناء ليست من طبعي ولا من شأني ـ ألا وإن أحبكم إلا من أخذ مني حقاً إن كان له أو أحلني منه فلقيت الله وأنا طيب النفس وقد أرى أن هذا غير مغن عني حتى أقوم فيكم مراراً
ثم نزل فصلى الظهر ثم رجع فجلس على المنبر فعاد لمقالته الأولى في الشحناء وغيرها فقام رجل فقال يا رسول الله: إن لى عندك ثلاثة دراهم
فقال : أعطه يا فضل بن العباس
ثم قال النبي: أيها الناس من كان عنده شئ فليؤده ولا يقل : فضوح الدنيا ألا وأن فضوح الدنيا أيسر من فضوح الآخرة
فقام رجل فقال: يا رسول الله عندى ثلاثة دراهم غللتها في سبيل الله
قال : ولم غللتها؟
قال : كنت إليها محتاجا
قال : خذها منه يا فضل
ثم قال: أيها الناس من خشى من نفسه شيئا فليقم أدع له
فقام رجل فقال: يا رسول الله إنى لكذاب, إني لفاحش, إني لنؤوم
فقال النبي: اللهم ارزقه صدقا وإيمانا وأذهب عنه النوم إذا أراد
ثم قال رجل فقال : والله يا رسول الله إني لكذاب وإني لمنافق وما من شئ إلا قد جنيته
فقام عمر بن الخطاب فقال له فضحت نفسك أيها الرجل فقال النبي صلى الله عليه و سلم : يابن الخطاب فضوح الدنيا أهون من فضوح الآخرة : اللهم ارزقه صدقا وإيمانا وصير أمره إلى خير
ثم أوصى بالأنصار خيرا فقال كما ذكر عبد الله بن كعب بن مالك : "يا معشر المهاجرين استوصوا بالأنصار خيراً فإن الناس يزيدون وإن الأنصار علي هيئتها لا تزيد وأنهم كانوا عيبتي (مكمن سره) التي أويت إليها فأحسنوا إلى محسنهم وتجاوزوا عن مسيئهم ثم نزل رسول الله صلى الله عليه و سلم من على المنبر ودخل بيت عائشة
وفي يوم من أيام مرضه أوصى المسلمين أن يجيزوا وفد أسامة بن زيد وألا يتركوا فى جزيرة العرب دينين وقال "أخرجوا منها المشركين" وزادت وطأة المرض علي رسول الله حتى لقد تأذت فاطمة ابنته من شدة ما يلقى فقالت : واكرب أبتاه
فقال : ليس علي أبيك كرب بعد اليوم
وأغمي عليه مرة فلده أهله فلما أفاق كره ذلك منهم وكان إلى جواره قدح فيه ماء يغمس فيه يده ثم يمسح وجهه بالماء ويقول:اللهم أعنى على سكرة الموت
أبو بكر يصلى بالناس
قالت عائشة : لما استuز برسول الله صلى الله عليه و سلم قال مروا أبا بكر فليصل بالناس
فقالت عائشة : يا نبي الله إن أبا بكر رجل رقيق ضعيف الصوت كثير البكاء إذا قرأ القرآن
فقال : مروه فليصل بالناس
قالت : فعدت بمثل قولى
فقال الرسول : إنكن صواحب يوسف فمروه فليصل بالناس
قالت : فوالله ما أقول ذلك إلا أنى كنت أحب أن يصرف ذلك عن أبى بكر وعرفت أن الناس لا يحبون رجلا قام مقامه أبدا، وأن الناس سيتشاءمون به فى كل حدث كان فكنت احب أن يصرف ذلك عن أبى بكر
وصلى أبو بكر بالناس سبع عشرة صلاة كما ذكر الوافدي ، وذكر عكرمة انه صلى بهم ثلاثة أيام وهذه الأيام التي تخلف فيها النبي عن إمامة الصلاة كانت من أشد الأيام ثقلاً عليه
اليوم الذى قبض فيه الرسول
وظل أبو بكر يصلى بالمسلمين حتى إذا كان يوم الاثنين الذى قبض الله فيه رسوله خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم عاصباً رأسه وهم يصلون الصبح فلما رآه المسلمون أفسحوا له مكانا فعرف أبو بكر أن الناس لم يصنعوا ذلك إلا لرسول الله صلى الله عليه و سلم فنكص عن مصلاه فدفع رسول الله ظهره وقال: صل بالناس وجلس رسول الله إلى جنبه فصلى قاعدا عن يمين أبى بكر فلما فرغ من الصلاة أقبل على الناس فكلمهم رافعاً صوته حتى خرج صوته من باب المسجد يقول
أيها الناس ، سعرت النار ، وأقبلت الفتن كقطع الليل المظلم، وإنى والله ما تمسكون علي بشئ، إنى لم أحل إلا ما أحل القرآن ، ولم أحرم إلا ما حرم القرآن فلما فرغ رسول الله من كلامه
قال له أبو بكر : يا نبي الله إنى أراك قد أصبحت بنعمة من الله وفضل كما تحب ، واليوم يوم بنت خارجة أفآتها ؟
قال : نعم
ثم دخل رسول الله صلى الله عليه و سلم وخرج أبو بكر إلي أهله بالسخ (من ضواحى المدينة) وانصرف الناس وهم يظنون أن رسول الله قد أفاق من وجعه
وهكذا ظل الرسول صلى الله عليه و سلم حتى اللحظة الأخيرة من حياته حريصا علي نصح أمته معلم القلب بشئونها موضحا لها طريق الاسلام ومعالمه محذرا لها من كل إنحراف أو ضلال
قالت عائشة رضى الله عنها : وعاد رسول الله من المسجد فاضطجع في حجرى ودخل علي رجل من آل أبي بكر وفى يده سواك أخضر فنظر رسول الله إليه فى يده نظرا عرفت أنه يريده..فأخذته منه فمضخته حتى لينته ثم أعطيته إياه، فاستن به كأشد ما رأيته يستن قط ثم وضعه، ووجدت رسول الله صلى الله عليه و سلم يثقل في حجرى فذهبت أنظر إلى وجهه فإذا بصره قد شخص وهو يقول : بل الرفيق الأعلى من الجنة فقلت : خيرت فاخترت والذى بعثك بالحق
وقبض رسول الله صلى الله عليه و سلم في يوم الاثنين الثانى عشر من ربيع الأول سنة إحدى عشر للهجرة على أرجح الأقوال
وهكذا فارق الرسول العظيم دنياه ولحق بمولاه بعد أن بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، وجاهد فى الله حق جهاده، وخلق من الشعب العربي شعباً جديداً كان له أعظم الأثر فى تغير وجه التاريخ الإنسانى
وقد نزلت وفاة رسول الله صلى الله عليه و سلم على الصحابة كالصاعقة، فأصيبوا بذهول شديد هز كيانهم وحجب عنهم إدراك هذه الحقيقة القاسية. حقيقة أن الحياة مهما طالت لابد لها من نهاية وأن العمر مهما امتد فلابد من الموت وأن بني البشر مع هذه الحقيقة سواء قال تعالى لرسوله : {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ}سورة الزمر - آية 30 ولنا أن نتصور مبلغ الأسى واللوعة التى شملت المسلمين في هذا اليوم الحزين حتى أنهم لا يدرون ماذا يفعلون، ومن ذلك ما صنعه عمر بن الخطاب رضى الله عنه فى هذا اليوم وهو المعروف بقوته وشجاعته وثباته
فقد أنكر على من قال : مات رسول الله وخرج إلى المسجد وخطب الناس وقال "إن رجالاً من المنافقين يزعمون أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قد توفى وإن رسول الله ما مات ولكنه ذهب إلى ربه كما ذهب موسى بن عمران فقد غاب عن قومه أربعين ليلة ثم رجع إليهم بعد أن قيل قد مات ووالله ليرجعن رسول الله كما رجع موسى فليقطعن أيدى رجال وأرجلهم زعموا أن رسول الله صلى الله عليه و سلم مات
وكان أبو بكر الصديق رضي الله عنه رجل الساعة حقا فقد أقبل من منزله حين بلغه الخبر حتى نزل على باب المسجد وعمر يكلم الناس فلم يلتفت إلى شئ حتى دخل على رسول الله في بيت عائشة وهو مسجى (مغطى ببرد) فكشف عن وجهه الكريم فقبله ثم قال : بأبى أنت وأمى أما الموته التى كتب الله عليك فقد ذقتها ثم لن يصيبك بعدها موت أبداً ورد البرد علي وجهه صلى الله عليه و سلم ثم خرج وعمر ما زال يكلم الناس فقال : على رسلك يا عمر فأنصت لكن عمر ظل مهتاجا مندفعا في كلامه فلما رآه أبو بكر لا ينصت أقبل على الناس فلما سمع الناس كلامه أقبلوا عليه وتركوا عمر، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس من كان يعبد محمداً فإن محمد قد مات ومن كان يعبد الله فان الله حي لا يموت ثم تلا هذه الآية : {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ}سورة ال العمران - آية 144
يقول من شهد هذا الموقف: والله لكأن الناس لم يعلموا أن هذه الآية نزلت حتى تلاها أبو بكر يومئذ وأخذها الناس عن أبى بكر فإنما هى في أفواههم ويقول عمر عن نفسه حينئذ : والله ما هو إلا أن سمعت أبا بكر تلاها فعقرت (تحيرت ودهشت) حتى وقعت إلى الأرض وما تحملني رجلاي وعرفت أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قد مات
وهكذا عاد المسلمون إلى رشدهم وسلوا بقضاء الله الذى لا مرد له، واستطاع الرجال الكبار الذين رباهم الرسول صلى الله عليه و سلم ليتحملوا الأمانة من بعده أن يواجهوا الموقف بثبات وحكمة فبايعوا أبا بكر الصديق رضى الله عنه بالخلافة، وأقاموا بتجهيز رسول الله صلى الله عليه و سلم ودفنه واختلفوا في موضع دفنه أيدفن في مسجده ؟ أم في بيته ؟ فقال لهم أبو بكر الصديق إنى سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول :ما قبض نبي إلا دفن حيث قبض فرفع فراشه الذي قبض عليه وحفر تحته ودخل الناس أفواجا للصلاة عليه الرجال ثم النساء ثم الصبيان لا يؤم أحد أحداً
وبذلك بدأت حقبة جديدة في تاريخ الدولة الإسلامية هي ما نسميها بعصر "الخلفاء الراشدين" وقد استطاع هؤلاء الخلفاء الراشدون أن يحملوا الأمانة بعد نبيهم وأن يواصلوا الجهاد ضد أعداء الإسلام وأن يفتحوا أرض الله الواسعة لينشروا بين جنباتها كلمة التوحيد والهداية ولسوف يبقى دين الإسلام بمشيئة الله تعالي ما بقيت السموات والأرض ولسوف تستمر تعاليم رسول الله صلى الله عليه و سلم التى قضى حياته فى سبيل نشرها و الدعوة إليها إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها نسأل الله تبارك وتعالى أن ينفعنا بنبينا وأن يجعله شفيعاً لنا يوم لا ينفع مال و لا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم وصلى الله على سيدنا محمد كلما ذكره الذاكرون وغفل عنه الغافلون